نبذة عن سيرة حياة الشيخ موسى العطاونة أنصِفوا هذا الرجل! بقلم: دهام موسى العطاونة
تاريخ النشر : الثلاثاء 3/2/2009م عندما زار وزير البنية التحتية فؤاد بن إليعيزر مجلس حورة المحلي في أواخر التسعينات نظم له المجلس حفل استقبال في منزل السيد فايز العطاونة (أبو شاكر) حضره أعضاء المجلس ومجموعة من الأهالي. استهل الوزير كلمته التي وجهها للحضور بقوله: 'لولا الشيخ موسى العطاونة لما قامت حورة'. قد يعتقد البعض أن الوزير يجامل الشيخ موسى رحمه الله الذي حضر حفل الاستقبال لكن ما قاله الوزير كان الحقيقة بعينها كما سنرى لاحقاً.
[img]
[/img]الشيخ موسى العطاونة
لقد كانت موافقة والدي على إقامة القرية ضرورية لأن الحارتين الأولى والخامسة في حورة والمنطقة الصناعية أقيمتا على أرضه, ولولا موافقته لما كانت هناك قرية.
إن ما دعاني إلى كتابة هذه السطور هو إصدار مجلس حورة المحلي كتيباً وخريطةً للقرية مؤخراً كانا خاليين من كل ذكرٍ لاسم والدي الذي طالما عمل للصالح العام ولم يخطر ببال أحد من أعضاء المجلس بمن فيهم أبناء عشيرة العطاونة تخليد ذكراه الطيبة بعد وفاته عام 2001 بإطلاق اسمه على أحد شوارع حورة مثلاً أو على إحدى المدارس، وهو الذي بنى أول مدرسة في حورة. لإنصاف هذا الشخص المعطاء هاأنذا أكتب قصة حورة ليعلم الجميع، خاصةً أبناء حورة، فضل الشيخ موسى العطاونة على هذه القرية.
جاء في كتيب مجلس حورة المحلي أن أول بيت بني في حورة بني عام 1990, والحقيقة أن أول بيت في حورة بناه جدّي الشيخ حسن العطاونة رحمه الله عام 1945 بموجب رخصة صادرة عن لجنة التخطيط اللوائية في غزة التي أحتفظ بها ليومنا هذا. وكان جيراننا من أبناء عشيرة السيد يسمونه بالقصر. قطن حورة آنذاك عدد قليل من الناس, جدي حسن وعائلته وسليم العضيدي (بدوي من أصل سعودي) وسلمان الزوايدة وعلي بن فرج وجيراننا من عشيرة السيد. أما أبناء عشيرة العطاونة الآخرون فقد أقاموا في موطنهم الجمّامة.
[img]
[/img] الشيخ حسن العطاونة
في أعقاب النكبة فر أبناء العشيرة من الجمامة بعضهم إلى الضفة الغربية والبعض الآخر إلى غزة خوفاً على أرواحهم. أما جدّي وأولاده فلجأوا إلى الخليل حيث كان عمي عزت العطاونة يقيم ويعمل هناك. ومن ثم سرعان ما عاد والدي إلى البيت في حورة لحماية ممتلكات العائلة من أراضٍ وبيوت ومحاصيل القمح الوافرة في عام 1948.
[img]
[/img]موسى العطاونة أيام شبابه
ذات يوم ركب والدي فرسه وذهب لزيارة الشيخ عوض أبو رقيق رحمه الله وعلم منه أن الحاكم العسكري ميخائيل هنغبي على موعدٍ معه يوم الخميس وأنه يمكن لمن يريد أن 'يسلم نفسه' أن يحضر لتدوين اسمه لدى السلطات الإسرائيلية.
سارع والدي إلى إبلاغ من استطاع من أبناء العشيرة وحثهم على القدوم إلى حورة ليتم إحصاؤهم، وفعلاً قام البعض منهم بالالتحاق به في حورة حيث سجل أسماءهم لدى الحاكم العسكري وضمن بذلك حصولهم على هوية إسرائيلية.
بناء المدرسة
تلقى والدي وشقيقاه الأكبران علي وعزت تعليمهم في مدرسة البنين في بئر السبع. وبعد أن تخرّجوا منها التحق علي وعزت بالكلية العربية في القدس بينما حُرم والدي من إتمام تعليمه العالي لكي يساعد والده في إدارة شئون العشيرة. وقد بقي والدي متألماً لحرمانه من فرصة إتمام تحصيله العلمي, لذا كان حريصاً كلَّ الحرص على أن لا يحرم أولاده وبناته من العلم.
وهكذا، عندما بلغتُ الخامسة من العمر هرَّبني والدي إلى عمي عزت في الخليل حيث ألحقني بمدرسة أمريكية داخلية في بيت لحم, بقيتُ فيها عشر سنوات إلى أن عدتُ إلى البلاد عام 1960 بمساعدة الصليب الأحمر. تهريبي إلى الخليل حلّ مشكلتي لكنه لم يحل مشكلة تعليم باقي أبناء العشيرة, لذا سعى والدي لدى وزارة التربية والتعليم في القدس من أجل إنشاء مدرسة في العشيرة. كان ردّ وزارة المعارف بأن مسؤولية بناء المدرسة تقع على عاتق السلطات المحلية, وبما أنه لم تكن في حورة حينها سلطة محلية بقيت العشيرة بلا مدرسة. غير أن والدي لم ييأس وبقي يطالب الحكومة بإقامة مدرسة حتى وعدته وزارة المعارف بإرسال معلمٍ واحد إن قام بتوفير غرفتين لهذا الغرض. وبما أن البناء كان محظوراً على البدو بحجة أن الأرض التي يقيمون عليها ليست ملكاً لهم، فقد اشترى والدي ألواحاً من 'الزينكو' لبناء غرفتين عام 1959 ثم بلّغ وزارة المعارف بذلك، فنفّذت الوزارة وعدها وأرسلت معلماً للتدريس فيها. ومنذ البداية حرص والدي على إرسال بناته إلى المدرسة فكان بذلك رائداً لتعليم البنات في المجتمع البدوي، وكانت هذه خطوة ثورية وجريئة حينذاك مهّدت طريق التعليم أمام مئات البنات البدويات اللواتي يدرسن في الجامعات اليوم.
[img]
[/img]الشيخ موسى العطاونة يجري احتفالاً بعد الانتهاء من ترميم بيته
تم توسيع المدرسة لاحقاً بعد أن تعرّف والدي على ثري بريطاني من أصدقاء حزب مبام في لندن كان في زيارة إلى البلاد. دعاه الشيخ موسى لزيارته في حورة وشرح له أوضاع البدو الصعبة في إسرائيل. فسأله برنت شاين كيف يمكنه مساعدته؟، فأخذه والدي لزيارة المدرسة, وعندما رآها شاين تبرع بمبلغ خمسة آلاف جنيه استرليني لشراء صريف جديد، وهكذا أصبحت المدرسة تتكون من خمسة صفوف.
مشروع توصيل الماء إلى العشيرة
[img]
[/img]في الكرم ومعه أخوه عزات (في يسار الصورة)
إعتمدت العشيرة منذ قيام الدولة حتى مطلع الستينات من القرن الماضي على الآبار لتلبية احتياجاتها من الماء وبما أن الآبار تعتمد على نزول المطر كانت العشيرة تعاني كباقي البدو في النقب من نقص في الماء في السنوات شحيحة المطر. بذل والدي جهوداً كبيرة لدى السلطات لمعالجة هذه المشكلة بلا طائل إلى أن تولى وزير من حزب مبام الذي كان والدي عضو فيه منصب وزير التطوير، فأمر الوزير مردخاي بن طوب شركة مكوروت بمد خط مياه إلى العشيرة، وهكذا كان الأمر.
مشروع القرية كان الشيخ موسى رجلاً طلائعياً في العديد من المجالات, فأسّس مثلاً جمعية السلام التعاونية الزراعية عام 1956 لتطوير الزراعة في الوسط البدوي وذلك بشراء معدات وإدخال أساليب زراعية حديثة أسوةً بالكيبوتسات التي تسنى له التعرف عليها من خلال نشاطه السياسي في حزب مبام. وكان والدي اشترى أول جرار (تراكتور) له عام 1945 شراكة مع المرحوم كايد العطاونة لكنهما اضطرا لبيعه بعد عامين لأنه لم يحقق الربح المرجو منه.
[img]
[/img أثناء حفل تأسيس نقابة العمال (الهستدروت) للعرب إستغل الشيخ موسى علاقته الطيبة مع حزب مبام للصالح العام، وكان سبب انضمامه للحزب كونه ينادي بدولة ثنائية الجنسية يتمتع فيها العرب واليهود بالمساواة. وبفضل جهود والدي كان الحزب يحظى بتأييدٍ كبير في الوسط البدوي في الانتخابات. فناضل ضد الحكم العسكري الذي كان مفروضاً على عرب إسرائيل حتى عام 1966 وناضل من أجل حل مشكلة الأراضي في مقالاته الصحفية وخطاباته ولقاءاته مع المسئولين. وبما أن البدو أصبحوا غير قادرين على ممارسة حياتهم التقليدية والتنقل بحرية في البلاد طلب والدي من وزير التطوير مردخاي بن طوب بناء قرية عصرية لعشيرته تشمل كل المرافق العصرية. فكلف الوزير المهندس رستم بستوني من حيفا الذي كان يعمل مستشاراً في الوزارة لشؤون القرية العربية بإعداد خريطة لمشروع إقامة قرية زراعية لعشيرة العطاونة. فأعد المهندس خريطة شملت المرافق التالية: بستان أطفال, مدرسة ابتدائية, مسجد, نادي شبيبة, عيادة طبية, حوانيت, كراج, بركة لسقي الماشية, برج ماء, حدائق عامة ومجلساً محلياً, علاوة على بناء 75 منزل. كان ذلك عام 1959 ففرح والدي فرحاً عظيماً عندما قدم له الوزير خريطة المشروع, لكنه عندما عرض والدي الخريطة على أبناء عشيرته واجه معارضةً من بعضهم: 'نحن لا نريد قرية, نريد العودة إلى أرضنا في الجمامة'. وما أن سمع والدي هذا القول حتى طوى الخريطة ووضعها على الرف حيث ما زالت موجودة حتى يومنا هذا.
بعدها أخذ الشيخ موسى يطالب الحكومة بالسماح للبدو بالبناء, فكان يتلقى الوعد تلو الآخر، إلى أن قررت الحكومة أنّ من مصلحتها تركيز البدو في قرى من أجل الاستيلاء على الأرض، فتبنت فكرة إنشاء القرى البدوية بحماس وكانت حورة
إحداها.
عيادة كوبات حوليم كانت الخدمات الطبية تكاد تكون معدومة في تجمعات البدو، فتعيّن على من أراد مراجعة الطبيب السفر إلى مدينة بئر السبع في وقت لم تكن فيه المواصلات متيسرة. واضطر والدي مراراً إلى نقل المرضى من أبناء العشيرة في سيارته إلى بئر السبع نهاراً وليلاً. وعليه، قام بكتابة رسائل إلى وزراء الصحة المتعاقبين يطالبهم فيها بفتح عيادة في حورة، كما طالب إدارة كوبات حوليم في بئر السبع بفتح فرعٍ لها في القرية. إلا أنهم كانوا يعتذرون عن القيام بذلك بشتى الأعذار، إلى أن تلقى الشيخ موسى رسالة من كوبات حوليم أعربت فيها عن استعدادها لفتح عيادة في حورة إذا ما قام هو بإيصال الماء إليها. فطلب والدي من إخواني حفر ترعة بطول كيلومترين لخط ماء من وسط العشيرة إلى موقع العيادة، وبعد أن تم مد الخط وفّت كوبات حوليم بوعدها وافتتحت عيادة خدمت عشيرة العطاونة وجيراننا من أبناء عشيرة السيد.
زراعة الزيتون بعد أن بنى جدي حسن بيته في حورة قام والدي ببناء 'سدة' لتجميع الماء، حمل إليها التراب على جمله ليزرع فيها أشجار التين, الرمان, الزيتون, التفاح, والعنب، وكان حريصاً كل الحرص على الاعتناء بها شخصياً. وكانت هذه الأشجار هي الأشجار الوحيدة في حورة في ذلك الحين.
في الستينات من القرن الماضي يئس والدي من تربية الأغنام لانعدام المراعي فباع قطيعه من الغنم واشترى بثمنه ألف شتلة زيتون، زرعها حول بيته. وكان زواره من البدو يبدون إعجابهم. فكان والدي يشجعهم على زراعة هذه الشجرة المباركة، لتعزيز صلتهم بالأرض قائلاً: إن اليهود يرون الأرض غير مزروعة فيعتقدون أن لا صاحب لها فيطمعون بها، أما إذا رأوا الأرض مزروعةً بالأشجار يدركون أن لهذه الأرض صاحباً يعتني بها. رويداً رويداً بدأت زراعة شجر الزيتون تنتشر في التجمعات البدوية وحاولت السلطات محاربة هذه الظاهرة بقلع الأشجار المزروعة لكن هذا لم يُثنِ البدو عن عزمهم فكانوا يشترون شتلات جديدة ويغرسونها من جديد.
أشعر بالفرحة كل عام في موسم قطف الزيتون عندما أحمل محصولي إلى المعصرة في رهط وأرى السيارات المحملة بالزيتون تفرغ حمولتها، وازداد سعادة عندما أرى إخواني البدو يحملون 'تناك' الزيت في سياراتهم والسعادة بادية على وجوههم. وأتساءل: هل يدرك هؤلاء دور الشيخ موسى في انتشار زراعة هذه الشجرة المباركة؟.
وأخيراً.. لقد مضت على وفاة الشيخ موسى أكثر من سبع سنوات، وأعتقد أن الوقت قد حان كي تعترف حورة بفضله عليها بإطلاق اسمه على مدرسة وعلى أحد شوارعها الرئيسة. فهل من مُنصف؟.
daham@netvision.net.il ---------------
تعقيب المجلس
يقول د. محمد النباري رئيس المجلس: 'كان لي حديث مع الأخ دهّام حول هذا الموضوع'، ويضيف: 'تم تحديد أسماء الشوارع في حورة من قبل لجنة التسميات التي ضمّت تمثيلاً لكل الحارات إضافةً لأعضاء اللجنة أنفسهم. وقد استمرت العملية سنة وثمانية أشهر، وتم تحديد أسس سهّلت عليهم وأعفتهم من الجدل الزائد حول بعض الأمور ومن بينها عدم تسمية شوارع على أسماء أشخاص على أساس الانتماء العائلي. هذا القرار وضع جانباً كلّ المطالب التي أرادتها كل مجموعة والقاضية بإطلاق أسماء شيوخ هذه المجموعات. كانت القاعدة عدم إطلاق أسماء تثير الجدل، ولهذا تم إطلاق أسماء الصحابة والعلماء وأسماء تاريخية وأسماء إيجابية مثل 'العلم' و'النور' وقرى مهجرة مثل (الجمامة)'.