قصة حمدة تحولت لـ دمعـــة
حمدة فتاة بدوية أصيلة منذ نعومة اظافرها سكنت بيت الشعر ورعت الغنم ووردت على بئر الماء والينابيع
. وعمّرت دلال القهوة الساده الاصيله
كانت مطيعة لوالديها ومحبوبة من عشيرتها . والدها شيخ القبيلة وقاضي عرف بعدالته وسداد رأيه .
رأها والدها يوما شاردة الذهن ... سألها مابك يا بنيتي ؟
قالت : يا والدي أسمع كل ليلة القصيد من الشعار عندك ... اتمنى اني اتعلم واعلم بنات العشيرة
لكن يا والدي العلام بالمدينة وعاداتنا ما تسمح للبنت تنام خارج أهلها .
قال : يا بنيتي .. والله لأحقق أمنيتك وابعثك تتعلمي رغم علمي ان افراد العشيرة سيعارضون.
وفي المساء جاء أفراد العشيرة يتسامرون على انغام الربابة والقصيد ... وقص عليهم الشيخ
قراره بتعليم ابنته بالمدينة لتعود وتعلم بنات العشيرة فالعلم نور ... وعارضوا وخصوصا
ولد عمها سلامة ... واخيرا نال مباركة العشيرة بقراره .
التحقت حمدة بمدرسة داخلية بالمدينة والسرور يلف محياها , فكانت مثال الطالبة المجتهدة
علميا وسلوكيا وجنت من سهرها الليالي شهادة الثانوية العامة بتقدير ممتاز مما حدى بالوزارة
لتعلمها بالجامعة بمنحة دراسية .
لكنها لاقت معارضة شديدة ان تدرس بالجامعة المختلطة مع شبان المدن وهذا يتعارض
مع عادتنا وتقاليدنا البدوية . لكن والدها اقنعهم بانها فرصة لتصبح معلمة ويطالب بأنشأ ممدرسة
في المستقبل . ووافق والدها رغم المعارضة الشديدة .
درست حمدة بالجامعة وثابرت ... كانت ذكية وتقضي معظم وقتها بالمكتبه للدراسة والتحضير
نالت على أترها درجة البكالوريس بامتياز مع مرتبة الشرف .
وعادت واحتفلت القبيلة بتخرجها . عادت وقد استقر اهل العشيرة واصبح لهم قرية وبيوت طينية
والكهرباء والماء وبنوا مدرستين للبنين واخرى للبنات واصبحوا يعملون بالزراعة .
أصبحت حمدة مديرة المدرسة وعلمة في القرية والكل يشير بالبنان لاخلاقها وتواضعها بتعليم
بنات القرية اللواتي معظمهن من اقاربها .
وكلما مرت حمدة ... يقولون : مرت المعلمة الفاضلة ... مرت نوارة القرية ... جاءت
المربية الفاضلة ... الكل ينطق باسم حمدة ويمتدحها .
وتقدم ابن عمها سلامة لخطبتها وكان يعمل مزارعا بالقرية ... ومن عادة البدواة
بنت العم لولد عمها ... وينزلها من على ظهر الحصان ... ومن الهودج ...
فوافق والدها ...وأقيم حفل زفاف لها حضره اهل القرية ... فدقت الطبول وانطلقت الزغاريد
والعيارات النارية والاهازيج البدوية والدحية والدبكات والليالي الملاح .
وبعد شهر من زواجها ارسلت لها الجامعة مذكرة تعلمها بان الجامعة خصصت لها منحة مجانية
لنيل درجة الماجستير ... واقنعت حمدة زوجها بان درستها لن تؤثر على واجباتها الزوجية
ولكن عندما وصل الخبر الى أم سلامة واخوانه واقربائهم ... دبت الغيرة ...والحسد
والضغينة في نفوسهم اتجاه بنت عمهم .
فأرسلت ام سلامة : مرسالا لولدها , فجاء سلامة , فقالت له أمه : يا خسارة على البطن
اللي حملك تسعة أشهر ! قال : ما بك يا والدتي .
قالت : يا ولدي المرأة خلقت لتغسل وتطبخ وتكنس وتربي الاولاد وتساعدك بالمزرعة .
وتخدم أمك اللي ربتك وأخوتك ! لكن الظاهر انها كاسرة عينك .. يا حيفي على الرجال مثلك
كيف تسمح لها تروح وتدرس بعد ما تزوجت بين الشبان بالمدينة ... ما عندك نخوة رجال
وأصبح كل واحد يعبأ رأسه بالافكار ... حتى خرج والشرار يتطاير من عينيه ...
فتح الباب وكانت حمدة تصحح أوراق امتحانات للطلابات فمزق الورق ورماه في وجهها
وهي مستغربة مندهشة ... قالت يا ولد عمي ... يا من لحمي ودمي وعزوتي ... يللي
برموش عيوني أحميك ... وبين أفئدتي ادفيك ... ومن عين الحاسد أرقيك ... مابك ؟
قال : إسمعي من الساعة ما في من البيت طلعة ... بالمزرعة شغلك ... وتخدمي امي وإخوتي
وشهاداتك انسيها ... والا نسيتك الحليب اللي رضعتيه من ثدي أمك !
قالت : له يا ولد العم هذا مو هرج . استشرتك قبل ما أسجل ووافقت ...شو اللي غير نيتك
والله عن دراستي ما حيد لو علقتني على اعواد المشانق ! وبدا عدوانه بالفع على وجهها
وسالت : دموع عينيها جدولا يغسل محيتيها . وتناول الجيزرانه وسبغ جلدها حتى اصبح ازرق
ورماها في وسط البيت والدم ينزف والعين تدمع واغلق الباب عليها وظلت تقاسي طول الليل
في السجن الظليم ... وتندب حضها مع ولد عمها ... لا شخصية ... ولا فهم ... ببغاء تردد
وفي الصباح فتح الباب عليها وهي ملطخة بالدماء ... وقالت : ساغسل وجهي ... وهربت الى بيت أبيها
وأرتمت جثة هامدة ... فلما رأها أباها بهذا الحال ... أدخلها ..وتناول بندقيته ...ليعدم سلامه الذي اهان
كرامة ابنته من دون سبب .
أمسكت به زوجته وقالت : بالله عليك يا شيخنا وقاضينا ويلي بالحق ترضينا ... متخلي الدم يسيل
وتعيد حرب البسوس وحرب داحس والغبراء... ويبدأ مسلسل الثأر ... وتترمل النسوان ويتيتم الاطفال
فهدأت من روعه . وسلامة ... كل يوم أصبح يبعث جاهات حتى ترجع للدار ...والا يطلبها لبيت
الطاعة الزوجية
قالت : والله نجــــوم السماء اقرب لك مني ؟
قال سلامة : والله لما تعودي لخليك تشوفي نجوم الظهر
هزلت حمدة ... ضعفت حمدة ... سالت دموع حمدة ... لكنها صحت من غفوتها وأقسمت يمين
لتتابع دراستها ... والتحقت بجامعتها ... وأصبح أهل القرية يهمسون ... مرت المعلقة
مرت المطلقة ...سمفونية جديدة بعدما كانوا يقولون : مرت المعلمة الفاضلة ...مرت المربية
وبعد سنتين ... بدأت الجامعة بمناقشة رسالتها ... فكانت مكتوبة بدم الشرايين ...
مغلفة بفؤادها الحزين ... خضراء من سيل جدوال دموعها مر السنين ...
منحتها الجامعة درجة الماجستير بتقدير امتياز لرسالة لم تكن معنونه ...
طلبوا الدكاترة منها كتابة عنوان رسالتها ... فثقبت أصبعها وسال دمها وتوجهت
للرسالة وكتبت عنوانها
************* حمــــــــــــــدة تحولت لدمعة *****