قال التوأم يوماً لأخيه وهما في رحم الأم لقد قررت أن أخرج إلى الخارج وأغير من حياتي فقال له أخوه لماذا تخرج ..؟ أليس المكان دافئاً ألست مرتاحا أليس كل شيء على ما يرام قال له نعم ولكني أريد الانطلاق والتحرر من هذا المكان الضيق الصغير المظلم فقال له أخوه ولكن ربما ستخرج إلى م...كان أسوأ مما أنت فيه .. إن الحياة في الخارج مليئة بالمخاطر لن تجد ما ستأكله ولن تجد مكاناً تنام فيه ولن تجد أحداً تلعب معه وتتحدث إليه فقال له لا يهم فقد سئمت وقررت و سأجرب انتهى الحوار وتعانقا فخرج الأول بصعوبة يشق طريقه نحو حياة جديدة لم يألفها في يوم جديد في كل شيء في مكان جديد لم يعتد عليه ليجد حياة أكثر إشراقاً وروعة واتساعا فأخذ ينادي أخاه ويدعوه للخروج ويشجعه ولكن الأخ التوأم فضل البقاء في مكان ليس أفضل حالا أبداً ولكنه أكثر أماناً بالنسبة له انطلق التوأم الأول متأملا في هذه الحياة الجديدة يشعر بشيء التوتر والترقب في كل مجهول حوله معتزاً بنفسه فخورا بقراره مستعيناً بربه وبعد لحظات من العيش في هذه الحياة ... تذكر أخاه التوأم والذي يشبهه في كل شيء .. كل شيء إلا الإرادة .. فناداه وطمأنه وشجعه للخروج ولو مؤقتاً ... وبعد عدة محاولات خرج التوأم الثاني يملؤه الخوف والترقب والتشاؤم فما هي إلا لحظات حتى بدأ بالتذمر وإلقاء اللوم على أخيه لماذا جعلتنا نخرج وماذا نستفيد ومتى سنعود وماذا يمكن أن يحدث لنا ...؟ فقاطعه أخوه قائلاً : كف عن الشكوى واللوم حتى نستطيع أن نسمع هتاف الأمل الجميل وصوت التفاؤل الدافئ ، ولكنه كرر اللوم وأكثر الشكوى فألتفت إليه أخوه قائلاً إما أن تصمت أو ترجع لوحدك من حيث أتيت .... ومرت الدقائق سريعة على الأول بطيئة وثقيلة على الثاني ... فقال الثاني لأخيه لا شيء جميل هنا سوى هذا الحبل السري الذي يمدنا بالطعام والحنان فضحك الأول وقال ولكنه أيضا سيقيدنا عن التحرك ويجبرنا على انتظار ما سيأتي ولذا فقد قررت الاستغناء عنه ....! فكاد الثاني يجن وما هي إلا لحظات حتى قطع الأول ارتباطه بهذا الحبل وانتزعه كذلك من أخيه الذي ظل يبكي ويولول ويشتكي ويعاتب ... انقطعت الإمدادات من الحبل السري لتصل إليهما عبر صدر أمهما الدافئ فتذوقا طعم الحليب وطعم الحنان بل وطعم التغيير واستمر الأمر على هذا الحال حتى سئم الأول الوضع فهمس في أذن أخيه أنه لن يلتقم ذلك الثدي مرة أخرى ...! فصاح به الثاني فقال له أأنت مجنون ؟ وأي نعيم خير مما أنت فيه فقال الأول ولكني سئمت طعم الحليب وأود أن أغير فامتنع عن الشرب ورفض أن يفتح فمه حتى اضطرت أمه إلى أن تقدم له أول ملعقة من الخضار المهروس فكاد عقله يطير من روعة طعمها ولذته فأخذ ينادي أخاه ويشجعه ويدعوه لأن يتذوق الخضار والبسكويت والحلوى والفواكه حتى استجاب تحت الضغط فلما تذوق ذلك صاح بأعلى صوته ما أروعها ...! فالتفت لأخيه وقال له كم أنت حكيم ففي كل مرة أرفض أفكارك أكتشف في النهاية أنها صحيحة فقال له أخوه هذه ليست أفكار ولكنها قرارات وعزيمة ثم عمل ..... الكل منا يمتلك أفكارا حول النجاح والتفوق والسعادة ولكن الأفكار وحدها لا تكفي الكل منا يرغب ويود ويتمنى ويحلم ويتحمس ولكن القليل من يقرر ويعمل ثم سكت سكة طويلة ... ثم أمسك بيد أخيه وقال له أخي ... لقد منحك التردد والخوف رحما صغيرا تتقلب فيه وقد منحني التغيير أرضاً فسيحة أعيش فيها ... لقد كان الطعام يأتيني من طريق واحد ( الحبل السري ) فمنحني الله بدلا عنه طريقين في صدر أمي ... لقد اعتدت على الحليب حتى مللته فقررت وفعلت فمنحني الله ما لذ وطاب من نعمه سبحانه وتعالى وبقيت أنت محصورا في هذا الحليب ... لأنك تخشى التغيير ولا تحسن الظن بربك ... لا شيء أضر على الإنسان من التردد والخوف والخمول والكسل فأحسن الظن بربك فكم مكان جميل تركته إلى ما هو أجمل منه وكم وظيفة منعت عنها ليرزقك الله خيرا منها إن خوفك مما قد يحصل يسلبك الثقة في التقدم لما تريد إن التفكير في المستقبل أمر اختياري فإما أن تفكر بالشر فتشقى قبل وقوعه وإما أن تفكر بالخير فتسعد قبل حدوثه لعمرك ما المكروه إلا انتظاره وأعظم مما حل ما يتوقع استعن بربك وتوقع الأفضل ثم أقدم على حياتك واثقا بربك سبحانه فإن حصلت على ما تريد فاحمد الله واطلبه المزيد وإن لم تحصل على ما تريد فاعلم ثم اعلم ثم اعلم أن الله يعلم وأنت لا تعلم و أن الله اختار لك الأفضل وأن الخير يأتي بلباس الشر ويختبئ تحت معطف المصيبة يقول تعالى { وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّواْ شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ} وفقكم الله لنيل خير ما تريدون وفوق ما ترجون